هل انت ما تراكَمَ … ام انت مُتراكِم…

 

العنوان قد يبدو غامضًا ومبهمًا ولكنه سيتضح عند التوسع في التدوينة … لأبدأ بسؤالك هذا السؤال المبهم (هل انت ما تراكَمَ … ام انت مُتراكِم) حسنًا لم تفهم شيء صح؟ غامضٌ هذا السؤال صحيح؟

حسنًا دعني اجرب ان افترض هذه الفرضية أنك إما (ما تراكَمَ..) ولكن ما تراكَمَ من ماذا؟ حسنًا الإجابة ستعرفها لاحقًا لا تستعجل، السؤال مرة أخرى هل أنت (هل انت ما تراكَمَ … ام انت مُتراكِم)، تقول الفرضية أنك إما ما تراكَمَ… من عدةِ أمورٍ معينة او أنك مُتراكِم، والفرق بينهما: أن ما تراكَمَ… اي من شي، ولكن مُتراكِم اي تعني مُتراكِم إما بذاتك او بعدةِ أمور لكنها ستكون منك لا من شيء آخر بلا شك -حسب الفرضية-، حسنًا الفرضية غير واضحة للآن، دعني قبل ان أشرح ان أطرح بعض الأسئلة المستفزة لك:

هل انت ما برمجه المجتمع والواقع والحياة والأهل والعائلة والعادات والتقاليد والناس والأفكار؟ ام انت ما اخترت لنفسك بعد أن عُرِض عليك كل هذا؟ ام أنك اخترت ان لا تكون كل هذا وتكون مجتمع وواقع وحياة وعادات وتقاليد وناس وأفكار الآخرين؟ ام أنك نفسك وحسب؟ ام أنك لست من هؤلاء ولا هؤلاء؟ ام أنك كلهم؟ ما هذه الأسئلة الغريبة أليس كذلك؟ ولكن دعني اسأل سؤالًا بعيدًا عن كل هذه الأسئلة….

لماذا هناك ثنائية الغرب والشرق؟ و اين الشمال والجنوب من اسئلتنا؟ لماذا فقط يُذكر الغرب والشرق فقط؟ والسؤال الأهم -إذا كنا نتساءل فعلًا- لو اننا الغرب او فلنقل الجنوب او فلنقل اننا الوسط. لماذا نرغب بجعل أنفسنا والآخر؟ ومن هو الآخر؟ ولماذا الآخر؟ ومن اخترع هذا المصطلح؟ هل الآخر ينادنيا بالآخر ايضًا؟ هل هي مجرد مصطلحاتٍ لخلق هذه الثنائيات؟ او إنها إختصاراتٍ لكي ننادي بها بشرًا محددين ب(الآخر)، ماذا لو تحدثنا بشأن الإنسان فمن سنتخيل؟ هل سنتخيل الإنسان الأوربي الأبيض؟ الاشقر؟ ام الشرقي الأسمر؟ ام الجنوبي؟ ام الروسي؟ الصيني؟ ولماذا بالذات نهتم بالألوان والأماكن؟ حسنًا لنهدأ ولا نتبعد كثيرًا دعني أطرح المسألة بشكلٍ أفضل…

لماذا إذا ما حاولنا التحدث عن أنفسنا وحياتنا وطريقة عيشنا وعاداتنا وتقاليدنا –بالرغم من عدم اتفاقي لهذا المصطلح (عادات وتقاليد) لأنه مصطلح واسع يدخل فيه مالا داخل المعنى (رأي شخصي)- لماذا إذا ما حاولنا التحدث ونقد أنفسنا -او غيرنا من بني جلدتنا- نقول هذا الجملة الغبية: (إذًا تريد أن تكون غربيًا؟ أأنت معجبٌ بالغرب؟)، هل الذين في الغرب يقولون مثل هذه الجملة عندما ينقدون أنفسهم؟ ولا أسالُ هذا على سبيل مدحهم بل جادًا فيما سألت… ياترى هذا ماذا يُخفي السؤال وراءه؟ يخفي هذا المعنى (إن لم تُعجب بنا ف أذهب إلى غيرنا) وكأننا بضاعة وهناك عرض وطلب ولسنا بشرًا وظاهرةً تستحق الدراسة والتحليل والنقاش. لماذا نخشى تحليل ظواهرنا وتصافاتنا وأنفسنا وما نفعله وما نكررهُ من أمورٍ إجتماعية؟

دعني اذكر بعض الأمثلة من أمورٍ نكررها دون علمنا حقًا للمعنى البعيد او المعنى الحقيقي لها حتى، مثل:

 عندما ما يحاول الشخص طرح فكرةٍ ما؛ وتكون الفكرة طويلة نوعا ما او تكون بتحيلٍ معين او ايًا يكن.. مباشرةً نقول له: (بلا فلسفة زايدة.. لا تتفلسف.. فيلسوف.. او اسم طبيب نفسي مشهور تشبيهًا به) هل نعي حقًا ماهي الفلسفة؟ هل قولنا بلا فلسفة زايدة –بالعامية- يعني اننا نقبل الفلسفة ولكن الغير زائد منها؟ هل نستخدم اسم الفلسفة ككنايةً لرفضنا لطرح الفكرة اوالتحليل والنقد؟ او حتى طرح التساؤل بحد ذاته؟ وما عيب ذلك الدكتور النفسي الذي شبهتوه به؟ هل لأن الطبيب النفسي يتحدث في مجاله؟ هل لأن الطبيب يستخدم مصطلحات تخصصه؟ نحن حقًا لا نعرف الفلسفة؟ ولكننا نعرف نقدها.. نقرأ كثيرًا لمن ينقدها ولكن لا نقرأ للفلسفة، بل اننا نستخدم فلسفة: عدم إتخاذ اي فلسفة…!

إذًا نحن بهذه المقدمة نعتبر ان ما (تراكَمَ…) اي: من أمورٍ إجتماعية وثقافية ونفسية وتاريخية ايضًا، حسنًا لنأتي للفرضية الثانية (هل انت مُتراكِم؟) اي: هل انت مُثقلٌ بالأسئلة والتساؤلات؟ هل مررت بمرحلة الشك في كل شيء حتى عن نفسك؟ هل مررت بتحليل كل شيء؟ هل رغبت يومًا ان لا تصنف الآخرين ولا حتى نفسك بأي شيء؟ هل تحس بعدم وجود المعنى من كل هذا؟ هل تحس ان كل شيء واهِم؟ وكل هذا حلم؟ حسنًا انا اعتبر هذا تهربًا من ان تكون نفسك; بالرغمِ من أنك تبحث عن نفسك… لا يعني رحلتك الشكية او رحلة البحث عن الذات يعني ان تتخذ هذا طريقَ؛ ان لا تختار أي طريق!، الكثير والأكثر مروا بهذه المراحل ولكن… كيف كانت النهاية او كيف كانوا؟ وكيف عاشوا هذه الرحلة؟ في الحقيقة لا تهم الأسئلة بقدر ما يهم التساؤل، ولا تهم الأفكار بقدر ما يهم الفكر.

هل وجدك نفسك قاسي بعض الشيء في تقبل كل  شيء؟ في تقبل مجتمعك واخطاءه وحتى اخطاءك؟ بالرغم نقدك لأخطاء واقعك ومجتمعك؟ هل تجد نفسك متسامحًا مع الغرب؟ –مجددًا هذا المصطلح-

او انك بالإتجاه المعاكس: قاسي ايضًا تجاه الغرب وكيف عاشوا حياتهم وكيف كان نتاج فلاسفتهم ومفكريهم وكيف كان ماضيهم؟ هل النقد القاسي هذا… تهربٌ من الإستفادة من تجاربهم ونجاحاتهم؟ هل هذه التساؤلات هي لتلميعِ صورتهم؟ هل هي لتخفيف وطأة التساؤلات حول مايجب ات نصنعه؟ هل هي هذه التساؤلات محاولة لنكران إبداعات أجدادنا والإهتمام فقط لإبدعاتهم؟ هل هو نكرانٌ لإبداعات العرب والمسلمين سابقًا؟ او حتى من عاش في ظلنا من ملل واديان اخرى كما حصل في دمن الأندلس؟ هل ذِكرُنا لتاريخنا محاولة لنسينان واقعنا؟ هل نحن متفائلين لدرجة المثالية؟ او متشائمين لحد السوداوية والعدمية (مفهوم فلسفي)؟ هل نحن متفائلين حد التشائم; ومتشائمين حد التفاؤل؟ طبعًا هذه صياغة مبالغة ولكن لا تهم.. ما يهم الآن هو أن نكتشف كل تلك الأجوبة او تلك التساؤلات الجديدة او القديمة او العميقة او التساؤلات التي لم يُنظر لها.

الآن بعد ان تم توضيح فرضية: (هل انت ما تراكَمَ … ام انت مُتراكِم) اذًا كيف الخلاص مما تراكَمَ علينا وكيف الخلاص من المُتراكِم الذي في داخلنا؟ هذه أسئلة لا أملك إجابتها، وكل هذا الكلام في هذه التدوينة ليست إجبارًا لأحد، ولا حتى على الشخص العادي الذي يرغب بلقمةِ عيشهِ وحسب؛ من ان يعيش كل هذا الدوران والرحلة الطويلة في التساؤلات والتفكير.. ولكن لابد لنا ان نتوقف ولو قليلًا ونسأل عن كل شيء، بالطبح لا نحتاج الآن للتساؤلات الوجودية ( من نحن؟ لماذا؟ كيف؟ متى؟ مالغاية هنا؟) ولو كانت ضرورية؛ بقدر ما نحتاج ان نتساءل مالذي يحدث الآن؟ وكيف حدث ذلك؟ وهل عاداتنا وتقاليدنا هي مصلطحٌ وحسب.. ام انه شيء حقيقي ولكننا أدخلنا فيهِ؛ ما نريده… كمقاس الشارب وبعض التصرفات عندما تكون في مناسبةٍ ما… او كيف يكون شكلك وكلامك وطريقة لباسك وروتينك وإهتماماتك، وهل نحن فعلًا مواطنين؟ هل نعيش في وطنٍ بالمعنى الحقيقي لكلمة وطن… ام انا نعيشُ في وطن آجار (تشبيه) كل مافيهِ لن يدوم لك يامواطن… ام انهم هم من يعيشون الوطن ونحن لا نعيش من وطننا هذا إلا قليله؟ أو ترانا إذا عشناه قد نغتر بأنفسنا ونكرر أخطاء قبلنا ممن تنعموا واصيح عيشهم رغيد، فنظلِم ثم يتدهور حالنا ثم لا تدومُ حضارتنا… ثم بعد كل ذلك نصنع دولةً جديدة بدل الاولى ثم مجددًا نصبح من ظالمين إلى مظلومين؟
ولماذا شبابنا إذا ما حاولوا التفكيرَ وطرح التساؤلات التي قد لا يطرحها الكبار… او قد يتعايشون معها كبارنا؛ نُنكر على شبابنا وشاباتنا ذلك؟ لماذا لا نسمح لهم محاولة القراءة واكتشاف انفسهم والتاريخ والآخرين؟ وايضًا لماذا من قرأ وتوغل في قراءة التاريخ والأفكار والفِكر نقول عنه مثقف؟ او من يحمل كتابًا يصنف تلقائيًا مثقفًا؟ لماذا لمن يحاول  ان يتحدث ببضعِ كلماتٍ فصيحة؛ نقول عنه انه مثقف؟ ولماذا من يحاول طرح َفكرة ٍاو تساؤلاتٍ معينة او نقد او تحليل او بعض اسئلة بريئة؛ نقول عنه (لا تتفلسف علينا)؟ ولماذا نشبهم بأطباء نفسيين سخرية لهم أنهم يتفلسفون زيهم وما عندهم غير الحكي بالرغم من انه لا عيب في الطبيب؟.

 قد لا نملك إلا الحكي ولكن الحكي قد قد يكون:

  فكرة ثم قول ثم عمل ثم إعتقاد ثم تغيير ثم بعد كل هذا… يأتي من بعدنا وينقدنا، وهذا كله صحي ومفيد وبالطبع من يرفض هذا السيناريو فهو إما: ما إفترضناه أولًا وهو (ما تراكَمَ…) -رأي شخضي- ولكن بالمقابل من يقبل بكل بهذا هذا الكلام والإفتراضات؛ دون نقدٍ وتحليل وصدق وتجرد… حتى لو كان في أكثر الكلام صدق وتجرد او ربما إنحياز او حتى إقصاء لأحد الأن الإنسان ليس كاملَ، اكمل قائلًا: من يقبل بأن يتوه وان لا يحاول التوغل في الواقع والعيش فيه ونقده وتحليله ويكون مُثقلًا بكل شيء دون ان يصنعَ هو: ثِقلًا في هذا العالم وفي مجال الفكر؛ لو على الأقل على نفسه… فهو اذًا (مُتراكِم)

حسنًا أنا اعتذر على هذه التساؤلات الثقيلة ولكن اسمح لي اطرح أخر سؤال وهو: هل أنت (ما تراكَمَ … ام أنت مُتراكِم)؟ وهل هناك عيب في ان تكون احد الإفتراضين؟ ام ذلك ليس بعيب؟ وهل هذا الإفتراضات من أساسها مخطئة؟ بالطبع هناك الكثير من الاسئلة ما تحتاج لأجوبة … وهناك الكثير من الأجوبة ماتحتاج لأسئلة، إختر لنفسك السؤال والجواب، وانظر في نفسك وفي حياتنا والآخرين والإنسان الآن: هل انت وأنا ونحن نحاول ان نكون انفسنا؟ ام نحن ما تراكَمَ.. او المُتراكِم…

أضف تعليق